« دائرة الطراوة» قصة قصيرة للكاتب الدكتور فراج أبو الليل

فراج أبو الليل
فراج أبو الليل

 (١)

نبذ زملائه .. حين جلس هناك .. طراوة الكرسي .. جعلته لا يحب رؤية تلك الأيادي الجافة .. تعود علي الطراوة   .. بني سداً بينه وبينهم .. قلت: هناك تقريراً مهماً ينتظر توقيعه .. قالت سكرتيرته الحسناء هو مشغول الآن .. كان صوت قرقعة وضحكات مكتومة تشبه صوتاً أعرفه .. اقتحم الأستاذ "عصفورة " دائرة الطراوة .. صوصو بالحقيقة والكذب .. زادت الضحكات .. دفعت مدام "فاتن" باب مكتبه العريض .. زادت الضحكات واختلطت بالبكاء الناعم .. تركت مكتبه في ذات اليوم وأتيت في اليوم التالي .. قلت أريد التوقيع .. أشار سكرتيرها الجميل بالدخول .. جلست مدام " فاتن" منفردة داخل دائرة الطراوة .. فكان قرارها نقل"الطري" خارج الدائرة .. هكذا تدور الأيام .. بين الطراوة والجفاف .. لا شيء يدم.

 

(٢)

سألت جدي عنه .. قال لست طبيباً لأتكلم عن أمراض هذا الكائن ... ولكني قابلت بعض من سلالته الممرضة .. تفتت منذ آلاف السنين لأجزاء صغيرة .. تحول كل جزء لحشرة بق صغيرة أيضاً .. كلما صعد كائن من تلك السلالة يتفتت مرة أخرى .. امتلأت كل الفراغات بتلك الحشرة .. كل الممرات والحجرات .. الجزء الأكبر تجمع في الأسانسير .. كل من يريد الصعود لابد أن يصعد بلا هيئته المعتادة .. عندما عرض عليه الأمر لم يتردد .. درس سلوك تلك الحشرة .. فعل كل ما تفعله قبل صعوده المحسوم .. تدرب علي الحياة الجديدة في هيئته الجديدة أيضاً.

(٣)

ثمة شَيئاً غريباً فعله حين جلس في الحجرة الواسعة .. امتزجت رائحته بالهواء ..  مررت بجوار مكتبه ذات صباح .. تذكرته .. جلس وحيداً ومات وحيداً .. صلاة الجنازة لم تكن عادية .. كنت وصديقه المقرب .. تطوع بعض المصلين .. حملنا جسده .. كان خفيفاً .. رقيقاً .. دعوت له بالرحمة .. ترجلت خارجاً من المقابر .. سمعت صوتاً .. لماذا أتيت متأخراً .. صلاة الجنازة لم تبدأ بعد .. لم أستطع الرجوع للصلاة .. رائحة الكراهية منعتني.